المَــــــــــــــــــــــــطَر
المَــــطر,
هو الهِبَـــــةُ التي وَهَبَهَــــا اللـــــــهُ لِعَامري أرضِــه, فهــــــي
غِذاءٌ للنّبَــــات, و مُستَسقى للحَيَــــــوانِ و الإِنسَـــــان, هو
الهِبَـــــةُ التي تتجلّى فيما عَرَفــــه الناسُ بــ ( سِــــرِ الحَيَاة ).
مُنـــــذُ قديــــمِ الأزلِ و هَـــــذه القّطراتُ التـــــي أَحيـــتِ الأرضَ
تَحتــــلُ إعجـــابَ بنــــو البَــــشَر, فهـــــي دُمُوعُ السمـــــاءِ التي
تواسيـــــهِم في الحُـــــزن, و هــــــي النّـــــدى الذي يَعلــــــــو أوراقَ بَهجَتِهـــم
في الفَـــــرح, هــــــي الأملُ الـــــذي يُحاكـــــي صوتُ زخّاتِــــــــه
زئيــــرَ الأســـــد و يُعطـــــي نبو البَشَــــرِ البِشْـــــرَ و
السَعَـــــــــادَة. أيّهــــا المَطَـــــر, أنــــــتَ السلاحُ الـــــذي
غيـــــــثُه أغاثَ البَــــــشَر فَقَطَـــــــع عنهـــــــم حَبْـــــــلَ
الجُوعِ و الهــــوان, أنَــــــتَ الــــــذي يَرهَبُـــــــكَ بنو البشـــــر و
يقنطـــــــون إن أدبَـــــرتَ و لم تَزُرهُــــــم, أنـــــــتَ الضيـــــفُ الذي
يجلِب السَـــــعَادَةَ فيَرسِـــــــمُ البَسمَــــــــةَ على وُجُـــــوهِ
الجَمِيــــــع. كَيفَ لـــــنا أن نشكُـــــرك؟! فأنتَ النِعمــــــةُ التـــــي
وَهَبَــــها اللهُ لنّـــــا, فَحَمـــــداً للــــــه, و شُكُــــــراً على
نِعَمِــــــه مِـــن عَظِيـــــمِ صُنْعِــــــهِ و إتقَــــــانِ خَلقِــــــــه
الذي أَبــــــدَع. سَألُــــــوني عَنــــكَ لِأصِفَــــك لهم, فَأصَابَتني
الحَيــــرَةُ في وَصفِــــــك, فأنتَ الذي يَطلُبُـــــه الجَمِيــــــعُ حتّى
يأتـــــي, فإن أتـــيتَ رَسَمتَ البَسَمَــــــة على وُجُـــــوهِ الأطفالِ
البَريئـــــة, و لـــــم يَبخـــــلَ على أحدٍ في طريـــــقِكِ بالعَطـــــاء, و
إن أدبـــــرتَ رَسَمــــــتَ على لوحَـــــةِ الطَبيـــعة ما يعجَــــزُ
الإنسَـــــانُ عن وصفه, فأنــــــتَ رَحيــــــمٌ حَليــــم. أنـــــتَ شديــــدٌ
لا تردُ المظلُـــــومين إن استَنصَروا بِــــــك, فأنتَ الجَيــــــشُ الذي
تَـــــــعاونَ أفــــــرَادُه على دَحـــــرِ الظُلـــــــمِ و إهـــــــلاكِ
المُعتديــــــــن فأنت تملِكُ سيـــــفَ الأعاصيــــرِ و أسهٌمَ الطوفانِ
التـــــي لا تٌهــــــــر. إنّـــــــي أغارُ مِنــــك, و كيـــــفَ لي أن لا
أغـــــار ؟! أعطَـــــــاك اللــــــه مِـــــنَ الجَمَــــــــال و
القُــــــــــوة و زَيّنَــــــــــــكَ بالبَــــــهَاءِ و العِـــــــزّةِ و
الإبِـــــــــــاء, أنتَ القُـــــدوةُ التــــــي وهَبَنَـــــــا الله من
الطَبِيعـــــة, فسُبحــــــانَ اللهِ على عظيـــــمِ خلقهِ و صُنعِـــــــه.
سماء ذات لون داكن .. مملؤة
بغيوم مكتنزة .. تُنبئ بسيل من حبات مطر لؤلؤية .. !
وبليلة
طويلة .. مملؤة بعواصف رعدية .. !
عيون
متلهفة .. ترقب تلك الغيوم المكتنزة قرب نافذة كبيرة على جانبيها ستائر حريرية
..وتسأل بشغف : متى ستقرر هذه الحبات
السماوية
.. النزول لعالمنا ذي الحياة المخملية ..؟!
خطوات
متسارعة .. وأنفاس متقطعة .. تلهث وسط أزقة ضيقة .. ومنازل متهدمة .. تتساءل ..
ياترى ؟ هل أستطيع إيجاد مكان ينأى
بي
عن هذه الغيوم الغريبة .. والقطرات العديدة .. من أمطار لم تحدد بعد .. ما لها من
كمية؟؟!
جسد
منهك .. ملقى فوق سرير ذو ملاءة بيضاء .. ينظر بتثاقل وألم .. نحو تلك السماء
الواسعة بغيومها المكتنزة .. يتمنى من تلك قطرات
تلك
الغيوم .. أن تغسل ما به من أوجاع سرمدية .. !
تتابع
سقوط الحبات المتلألأة .. دون أن تمنعها تلك الخطوات المتسارعة .. أو يعجل من
سقوطها .. تلك العيون المترقبة .. وإنما نزلت
على
ذلك الكوكب .. ذي الأنواع .. و الطوائف .. والعروق .. والكائنات .. المختلفة ..
دون أي إيماءة بنية التفريق .. أو التمييز بينهم ..
سقطت
.. وكست ذاك الكوكب الصاخب .. بهدوء وسكون .. لم يسبق له مثيل .. وبألم وحزن لم
يعرف له بديل .. !
وهكذا
.. ورغم كل شيء .. يتتابع سقوط المطر .. دون أن يثنيه ذو فقر .. أو يستعجله ذو قصر .. !!
قَطَرَات
المَــــــــــــــــــــطَر..
كَطفلةٍ
أَخذَت تَلعَب بِحَبَاتِ المَطَر إلى
أن تَبلَلت كُلها،فكم هي مُشتَاقةٌ له وقد أَخذَها شوقُها بَعِيداً..
تَتَذكَر
أَيَامَ كَانَت تَجمَع البَرَدَ في
يَدِيهَا الصَغيرَةَ،وَهي فَرحَةً مُختَبِئَةً تَخشَى أَن تَخدِشَها..
وَكَم
كَان صَوتُ الرَعد يُخِيفها،
وَكَم كَانت تَهابُ البَرق..
أَخَذت
تَتَأمَل قَطَرَات المَطَر التي
بَدت كَحَبات اللؤلؤ ،وَهي تَنتَثر عَلى أورَاق الشَجَر..
أَعجَبهَا
هَذا المنظَر،وَتَمَنت لو كَانت نُقطَةً نَدِيَةً خَفِيَةً بَهِيَةً تَسحَر
النَظر..
ثُم
جَالت بِعينها،وَهي تَبحَث مِن أَين تَأتي حَباتُ المَطَر..
وَهي
مُتَعَجبةً تَرَى الطُيورَ تَهرب
يَمنَة وَيسرَى إِلى أَين لاَ تَدرِي..
كَم
تَمنت حِينَها أَن تَلحَقَ بِهم،وَأن يَكونَ لها عشٌ تَأوي
إِليه مِثلَهم..
وَقبلَ
أَن يَرحل مَسحَت بِدَمَعاتهِ وَجهَها،
وَارتَشَفَت القَلِيل لَعلَها تُروي عَطَشَها..
كَم كَانت تَرجو لو يَبقَى المَطَر قَلِيلاً،
وَأَن لاَ يَغِيبَ طَوِيلاً فَهِي أَحَبَته مُنذُ الصِغَر.
م ط ر ثلاثة أحرفٍ مبعثرة جمعتُها فجَمعَت لي ذاتِي
اليائِسَة ، صوتهُ ينعشِني يعيدُ إليَّ الكثير من
الذكرياتِ التي أهملتها ، لازالت قطراته التي طالما دَاعَبَت وجْنَتَي
وتناثرت كاللؤلؤ على وجهي في مخيلتِي ،كم كنتُ يائِسةً في تلكَ الأيام المريرة،
أقلُّ ما أصِفه عن حالي جسدٌ بلا روح، فتاةٌ ضعيفة الإرادة بمجرد فشلها في بعضِ
الأمور تمكنَ اليأس منها،حتى حان ذلك اليوم.. فِي المساء كعادَتِي كنتُ جالسةً على
سريري أستذكرُ دروسِي حينها سمعتُ أصواتاً مُريبة أسرعتُ إلى نافِذتِي فإذا
بأصواتِ البرق والرعدِ مُعلِنةً سقوطَ المطر، آه كم كنتُ أرتقِبه كم أحن إليه
،أغلقت نافِذتِي حتى هدأت أصواتُ البرق والرعد وبدأ المطر بالهطول شرعتُ بفتحِ
نافِذتِي مرةً أُخرى عدتُ بذاكِرتِي للوراءِ عُدتُ إلى طفولتِي كم كنتُ أعشق المطر
ما إن يهطل حتى أُبادِرُ في الخروجِ من المنزلِ مسرعةً لألعب فيه حتى أشعر
بالإعياء فأعود إلى المنزل وملابِسي
ملطَّخةٌ بالوحل كم كنتُ سعيدةٌ في طفولتِي ،أفقتُ من الماضِي بازدياد زخاتِ المطر
فرأيتُ تلك القطرات قد غطَّت معظم وجهي ولم أنتَبِه لها .. وكأنها تريد إيقاظِي من
المَاضِي وتُحَفِّزني للغَد،خُيِّل إلي بأَحَدِ القطَراتِ تهمِسُ فِي أذُنِي: أنِ
أنظُري للغَدِ بنظرات التفاؤل.. لابدَّ من الفَشل واعلمِي أنَّ الفشَل ماهو إلا
بدايةً نحوَ خُطى النجاح، استوقفتني همساتها فتضاربت الأفكار في رأسِي ،فإذا بي
أرحَل شاردة الذهنِ عن عالمِي إلى عالمِ تلك القطرات كيفَ لقطرة صغيرة أن تحيي
الأرضَ بعد موتها بقدرةِ البارئ ، وأنا لم أستطع حتى أنْ أبُثَّ فِي داخِلي بصيصٌ
من الأمل،يالي من فتاة !! وكيفَ نسيتُ رحمة ربي بي؟؟!! أهذهِ القطرات الصغيرة أحيت
أرضاً وبمجرد تأملها استطاعت أن تُحيي مابداخِلي؟؟ لقد وجهت إلي صفعاتٍ قَويَّة
على وجهِي لتعيد إلي مافقدتُه .. سبحانكَ ربي!!
لكَ في خلقكَ شؤون ، فعلاً كل
قطرةِ مطر تحمل في جعبتهاحكاية.
لست بابن خفاجة، لأصفك يا مطر بكل سعادة، وأذكر حبي لك
والحاجة، لا أدري أتسقي؟ أم أن السماء تبكي؟ أم تهجو أم ترثي؟ أم تمدح أم تُجري؟
لا أدري أنستحق هذه الغنيمة؟ أم أن نزولك للأرض والبهيمة؟لا أدري أأتكلم عن جمالك؟
أم إحيائك أم دمارك؟ لا أدري أنتعظ بعظمتك والوجود، على عظمة من خلقك ونكثر
السجود؟لا أدري أتعظنا
بالنزول؟ كقوم نوح عندما فار التنور؟ أيا مطر عجزت عن الوصف
وسأكتفي، بلا أدري وأتمنى أن تفي ..
أَسْمَعُ كَلِمَةَ
الْمَطَرِ،فَأُسَبِّحُ اللهَ فِي نَفْسِي،هِيَ قَطَرَاتٌ وَلَكِنْ يَحْيَى بِهَا
أَقْوَامٌ وِيِمُوتُ بِدُونِهَا آخَرُون،وَتُنْبِتُ بِهَا زُرُوعٌ قَدْ أَجْدَبَتْ
لِسُنُونٍ،يَبْتَهِجُ بِهُطُولِهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ،الْغَنِيُّ
وَالْفَقِير،وَأَيُّ دَابَّةٍ عَلَى الْأَرْضِ تَسِيرُ وَ حَتَّى الطُّيُورُ فِي
السَّمَاءِ وَ هِيَ تَطِيرُ.ثُمَّ أَتَخَيَّلُ حَالَنَا بِدُونِ الْمَطَرِ
،الْجَوُّ جَفَافٌ وَالْأَنْعَامُ كُلُّهَا جِيَاف،الْأَنْهَارُ
تَضْمَحِلُّ،وَالزَّرْعُ أَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح،لا أَشْجَارَ
مُثْمِرُة وَلَا خُضْرَةٌ نَضِرَة،وُجُوهُ الْخَلْقِ كُلُهَا وَاجِمَة،فَلَا
حَيَاةَ بِدُونِ هَذِهِ الْقَطَرَات الَّتِي اسْتَحْقَرَهَا الكَثِير وَبَذَّرُوا
فِي الْمَاءِ أَيَّمَا تَبْذِير بِحُجَّةِ أَنَّ الْمَاءَ عِنْدَهُمْ كَثِير،وَلَا
يَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَالَ لَا يَدُوم فَالْيَوْمَ هَنَاءٌ وَرَغَد،وَغَداً
بُؤْسٌ وَنَكَدْ،أَذْكُرُ كُلَّ هَذَا فَأَحْمَدُ الله عَلَى هَذِهِ النِّعْمَة
الَّتِي لَا نُطِيقُ التَّخَلِّيَ عَنْهَا لِوَقْتٍ قَلِيل ،وَ الَحَيَاةُ
بِدُونِهَا أَمْرٌ شِبْهُ مُسْتَحِيل،فَهِيَ رَحْمَةُ مِنْ رَحَمَاتِ
الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى عِبَادِه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق