كنت أريدها أن....
بقلمي9-11-2011
نظر إلينا بنظرة متعالية وحقيرة ، وقال لأختي
بحده : أتظنين بأن العمرة ستشفيك كما يحدث في القصص؟ لا تعقدي الآمال . ستعودين من
العمرة وسنباشر بالعملية!
تمنيت لو صفعته، تمنيت لو لم اسكت!
خرجنا وقد حجز والدي تذكرتين فقط ! أي أنني
لن أستطيع السفر إلى مكة معهما. يال للأسف ، كنت أتمنى لو أذهب مع أختي [سارة] .
لم أعتد فراقها مطلقا، فقد كنا نأكل معا وننام معا وننشد معا، ونذهب للمدرسة معا! فالشبهه ليس المشترك ببينا لكوننا
توأمين ، بل حتى ميولنا وأحلامنا.
وها هو هذا المرض يفرق بيننا ؟ يبدو أنني
سأعود إلى البحرين هذه الليلة ، وسيغادر والدي مع سارة إلى العمرة!
كل شيء بدى حين شعرت [سارة] بصداع ، في ذلك
اليوم وبعد الفحص في مستشفى السلمانية ، حضرت أختي الكبيرة [رؤى] نتائج الفحص بعد
عدة أيام، كان الدكتور هناك قد طلب من [ سارة ] الخروج قليلا ، لعله يكلم [رؤى] عن
النتائج وحدهما.
أستطيع أن أتخيل وجه [رؤى] حين أخبرها
الدكتور أن مرض أختي هو مرض السرطان! ، كنت أنا في الخارج مع [سارة] ، وإذ بنا
نسمع صياح [رؤى] ، دخلنا وإذ بالدكتور يحاول تهدئتها.
" ما الأمر [ رؤى] ؟ ما الأمر [رؤى] ؟"
وجهت أنظاري إلى الدكتور ، وكأني أطلب منه تفسيرا سريعا لما يحدث. نظر إلي الدكتور
نظرة يأس وشفقه، عرفت توأمي أن الأمر
يتعلق بالفحص ، كانت هادئة ، اما أنا فكنت اتجه لأختي تارة أسألها وأحيانا الدكتور.
هدأت أختي لبضع لحظات، وهي تشهق ، نظر
الدكتور إلى [سارة] ، التفت إليها ، قال لها : انتي مصابه بمرض خطير؟ وهو
السرطان!. ارتعشت أطرافي ، سقطت على الفور وأنا أبكي ، أما [سارة] ، فلم تكن [سارة
]التي أعرفها، لم تهرع ولم تفزع وقالت:" الحمدلك يارب".كانت مسلمة أمرها لله ،كنت دائما
ما أعتقد أنها ضعيفة الشخصية، وأن واجبي حمايتها،لكن ما حصل أثبت أنها أقوى منا
جميعا من الداخل. قوية لدرجة أن الرياح العاتية لم تستطع ان تقلعها من مكانها.
عدنا إلى البيت بعد أن اتصل المستشفى لوالدي،
وأتى لأخذنا ،عدنا والكل يسألنا عن ما حدث ، يبدو أن الدكتور لم يخبر أحد حتى
والدي.
لا أذكر بعدها ما حدث فلقد بكيت وقد أغمي
عليي.
عاش منزلنا حالة من اليأس ، الحزن والبكاء، أياماً
قاسية، وآمالاً ساقطة. مرة تذهب [سارة] للعلاج بالكيميائي، ومرة بالإشعاع. وفي كل
مرة نعقد الآمال لشفائها ، لكننا نكتشف أن المرض لم يزول بعد.
كنت أجلس لأيام وحدي ، لم أعد أبقى معها، أما
دراستي ومدرستي فلم تكن ذا لون ، كانت بالنسبة لي سجن يجب الخروج منه حتى أذهب إلى
المشفى لرؤية [سارة].
كنت أجلس أحيانا في أحد الزوايا ، فأبكي،
وأدعو، لكنني في داخلي خائفة من أن أفقدها ، هل حقاً حين أدعي ستشفى [سارة] وتعود
كما كانت؟هل حقا ًالدعاء، ذا تأثير لتخليص بيتنا مما يعانيه؟.
يبدو أن مستشفيات المملكة لم تعد ذا فائدة
لقد يئست قبل أن نعقد الآمال، وكان لزاماً لنا الذهاب إلى السعودية، كانت أختي
تضعف يوماً بعد يوم، لم أعد أراها تشبهني ، لقد تحولت إلى مخلوق ضعيف ، بل حتى
أضعف من أخي [عبدالله] ، [ عبدالله] ذاك الذي يضرب فيه المثل في الضعف في البيت.
ذاك اليوم اقترح [سالم] وهو أخي الكبير أن
نحضر شيخاً يرقي أختي ، وكنت أنا الوحيدة التي عارضت الفكرة ، كنت أقول بأن [سارة]
ليست مجنونة لترقى، كانت [سارة] تسمعني فوجهت إلي نظرة حادة أبكتني ، عرفت أنها
ظنت أنني أقول أنها مجنونة، لحقتُ بها وأخبرتها أنني أقصد أن المجانين من يرقون
وليس أنتي، فقالت لي : أعلم ذلك، لكن ليس هناك داعي لقول ذلك، ليس المجانين من يرقون
، أنتي مخطأة".
جاء الشيخ ، كان بيتنا يأمل شفاءها على يده،
فالطب لم يعد ذا نفع، كنت خائفة، كنت أريد [سارة] ،ولكني في لحظات ما أستسلم ، والأخرى أرفض فكرة موتها، إنها
مازالت صغيرة ، طفلة في السابعة عشر من عمرها! لم عليها أن تعاني ؟!
هكذا كنت أفكر ....لم يكن يخطر في بالي صواب
أو خطأ تفكيري! كنت أحب [سارة]! وظننت أن هذا كاف!
الشيخ أخبرنا أن المرض جراء عين حسد، فالعين
لها حق. فكان لزاماً لعائلتنا أن تتوضأ في ماء ، ثم نسكبه على جسد [سارة] . بادر
الجميع في الأمر، ولكن الامر لم يفلح، فربما ما حدث لأختي كان بسبب عين في
المدرسة! أو هذا ما ظننته!
بعد سفرنا إلى السعودية، ذهب والدي و[سارة]
إلى العمرة قبل العملية ،أما أنا فقد عدت أدراجي، لأن الامتحانات على الأبواب.
هكذا أنفصلنا رغماً عنا، أنفصلت عن توأمي ،
روحي الأخرى!
...................................
"حينما تعيشين في دنيا ، فإن الرحيل
ملازم لك ، بل ملازم لكل أمر، سواء كان الجيد أم السيء! السعيد أوالحزين! والأمر
يعود إلى صاحبه هل يرضى ويصبر فيؤجر، أم يسخط
فيأثم؟"
أقولها لكي وقد حكيت لكي قصتي! عشتها منذ
ثلاث سنوات مضت!
نظرت إلي ، ثم تحدثت بشيء من التردد
وقالت:" هل رحلت أختك عن هذه الحياة؟
ابتسمت وقد علمت سؤالها قبل أن تسأل:"
يرحمها الله".
قالت لي : ماذا علي فعله الآن ؟ إنها أمي
أحبها.
أمتلئت عيونها بالعبرات والدمعات ، فتداركت
الأمر وقلت لها:" استفيدي من زلاتي السابقة؟
رفعت كفها وحاولت مسح دموعها المتزاحمة وهي
تقول لي :" أي زلات هي التي تتكلمين عنها؟
:"الإيمان!"
نظرة الحيرة التي رأيتها على وجهها، أدركت
بأن كلامي بحاجة إلى توضيح فقلت:" إيمان بقضاء الله وقدره، إيمان بأن
الشفاء بيده ،إيمان بالدعاء ،إيمان أن الدنيا زائلة وأن الموت ملازم للبشر!
كنت أريدها أن تثق بأن الأمور مهما كانت سيئة
في نظرنا ، فإنها ربما تكون جيدة للمريض ، جيدة لنا , من نواحي لا ندركها .
كنت أريدها أن تثق بالله، أن تحمل هم الدعاء.
كنت أريدها أن تعرف فوائد الأذكار.
كنت أريدها أن تثق بأن الله لا يضيع عباده
الصالحين! وأن المرض ربما يكون سبباً في رفع منزلته_المريض_ في الجنة قد لا يبلغها
بعمله!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق